فصل: فائدة بلاغية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فائدة بلاغية:

الكبير في الأصل هو عظيم الجثة من نوعه، وهو مجاز في القوى والكثير والمسن والفاحش، وهو استعارة مبنية على تشبيه المعقول بالمحسوس، شبه القوي في نوعه بعظيم الجثة في الأفراد، لأنه مألوف في أنه قوى، وهو هنا بمعنى العظيم في المآثم بقرينة المقام، مثل تسمية الذنب كبيرة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وما يعذَّبان في كبير وإنه لكبير» الحديثَ.
والمعنى أن القتال في الأشهر الحرم إثم كبير، فالنكرة هنا للعموم بقرينة المقام، إذ لا خصوصية لقتال قوم دون آخرين، ولا لقتل في شهر دون غيره، لاسيما ومطابقة الجواب للسؤال قد أكدت العموم، لأن المسؤول عنه حُكْم هذا الجنس وهو القتال في هذا الجنس وهو الشهر الحرام من غير تفصيل، فإن أجدر أفراد القتال بأن يكون مباحًا هو قتالنا المشركين ومع ذلك فهو المسؤول عنه وهو الذي وقع التحرج منه، أما تقاتل المسلمين فلا يختص إثمه بوقوعه في الشهر الحرام، وأما قتال الأمم الآخرين فلا يخطر بالبال حينئذٍ. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)}.
قرأ الجمهور: {قِتَالٍ} بالجّرِّ، وفيه ثلاثةُ أوجهٍ:
أحدها: أنه خفضٌ على البدل من {الشَّهْرِ} بدلِ الاشتمالِ؛ إذ القتالُ واقعٌ فيه، فهو مشتملٌ عليه.
والثاني: أنه خفضٌ على التَّكرير، قال أبو البقاء: يريدُ أنَّ التقديرَ: عَنْ قِتَالٍ فيه.
وهو معنى قول الفراء إِلاَّ أَنَّهُ قال: هُوَ مَخْفُوضٌ بعن مُضْمرَةً.
وهذا ضعيفٌ جدًّا؛ لأنَّ حرف الجرَّ لا يبقى عملهُ بعد حذفه في الاختيار.
وهذا لا ينبغي أن يُعَدَّ خلافًا بين البصريين، والكسائي، والفراءِ؛ لأنَّ البدل عند جمهور البصريين على نيَّة تكرار العامل، وهذا هو بعينه قولُ الكسائي.
وقوله: لأنَّ حرف الجرِّ لا يبقى عمله بعد حذفه إِنْ أراد في غير البدل، فمُسَلَّمٌ، وإن أراد في البدلِ، فممنوعٌ، وهذا هو الذي عناه الكسائي.
الثالث: قال أبو عبيدة: إِنه خفضٌ على الجِوَارِ.
قال أبو البقاء: وهو أَبْعَدُ مِنْ قولهما- يعني الكسائيَّ والفراء- لأنَّ الجوار من مواضع الضَّرورة أو الشذوذِ، فلا يُحْمَلُ عليه ما وجدت عنه مَندُوحةٌ وقال ابن عطية: هُوَ خَطَأٌ.
قال أبو حيَّان إن كان أبو عبيدة عَنَى بالجوار المصطلح عليه فهو خَطَأٌ.
وجهة الخطأِ أنَّ الخفض على الجوار عبارةٌ عن أَنْ يكون الشيءُ تابعًا لمرفوع، أو منصوب، من حيثُ اللفظُ والمعنى، فيُعدل به عن تَبَعيَّته لمتبوعه لفظًا، ويُخْفَضَ لمجاورته لمخفوض؛ كقولهم: هذا حُجْرُ ضَبِّ خَرِبٍ، وكان مِنْ حقِّه الرفع؛ لأنه مِنْ صفاتِ الجُحْر، لا من صفاتِ الضبِّ، ولهذه المسألةِ مزيدُ بيانٍ يأتي في موضعه إِنْ شاءس اللهُ تعالى، و{قِتَالٍ} هنا ليس تابعًا لمرفوعٍ، أو منصوبٍ، وجاوز مَخفوضًا فخُفِض.
وإن كان عنى أنه تابعٌ لمخفوضٍ فخفضُه بكونه جاور مخفوضًا، أي: فصار تابعًا له، لم يكنْ خطأً، إِلاَّ أنه أغمضَ في عبارته؛ فالتبس بالمصطلح عليه.
وقرأ ابن عباس والأَعمش: {عَنْ قِتَالٍ} بإظهارِ {عَنْ} وهي في مُصْحَف عبد الله كذلك. وقرأ عكرمة: {قتْلٍ فِيهِ قُلْ قَتْلٌ فِيهِ} بغير ألف. وقُرئ شاذًّا: {قِتَالٌ فيه} بالرفع وفيه وجهان:
أحدهما: أنه مبتدأٌ، والجارُّ والمجرورُ بعده خبرٌ، وسَوَّغ الابتداءُ به وهو نكرةٌ؛ أنه على نيةِ همزةِ الاستفهام، تقديره: أَقِتَالٌ فيه.
والثاني: أنه مرفوعٌ باسم فاعلٍ تقديرُه: أجائزٌ قتالٌ فيه، فهو فاعلٌ به.
وعَبَّر أبو البقاء في هذا الوجه بأن يكونَ خبرَ محذوفٍ، فجاءَ رفعُه من ثلاثةِ أوجهٍ: إِمَّا مبتدأٌ، وإِمَّا فاعلٌ، وإمَّا خبرُ مبتدأ.
قالوا: ويظهرُ هذا مِنْ حَيثُ إِنَّ سؤالهم لم يكن عن كينونةِ القتالِ في الشهرِ أم لا، وإنَّما كان سؤالهم: هل يجوزُ القتالُ فيه أم لا؟ وعلى كِلا هذين الوجهين، فهذه الجملةُ المُستفهمُ عنها في محلِّ جرٍّ؛ بدلًا من الشهرِ الحرامِ، لأنَّ سَأَلَ قد أخذ مفعوليه فلا تكونُ هي المفعول، وإن كانت محَطَّ السؤال. وقوله: {فِيهِ} على قراءةِ خفضِ {قِتَالٍ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه في محلِّ خفضٍ؛ لأنه صفةٌ ل {قِتَالٍ}.
والثاني: أنه في محلِّ نصبٍ؛ لتعلُّقه بقتال، لكونه مصدرًا.
وقال أبو البقاء: كما يتعلَّقُ ب {قِتَالٍ} ولا حاجة إلى هذا التشبيهِ، فإنَّ المصدر عاملٌ بالحَمْلِ على الفعل.
قوله: {قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} جملةٌ من مبتدأ وخبرٍ، محلُّها النصبُ بقُلْ والمعنى: القتال في الشهر الحرام وجازَ الابتداءُ بالنكرةِ لأحدِ وجهينِ:
إمَّا الوصفُ، إذا جعلنا قوله: {فيه} صفةً له.
وإمَّا التخصيصُ بالعمل، إذا جعلناه متعلقًا بقتال، كما تقدَّم في نظيره.
فإِنْ قيل: قد تقدَّم لفظُ نكرة، وأُعيدت من غير دخول ألفٍ ولام عليها، وكان حقُّها ذلك، كقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فعصى فِرْعَوْنُ الرسول} [المزمل: 15- 16] لإِنَّه لو لم يكن كذلك، كان المذكور الثاني غير الأول، وهذا غيرث واضحٍ؛ لإِنَّ الألف كقوله: {فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْرًا إِنَّ مَعَ العسر يُسْرًا} [الشرح: 5- 6].
فقال أبو البقاء: ليسَ المرادُ تعظيم القتالِ المذكور المسؤولِ عنه، حتى يُعادَ بالألف واللامِ، بل المراد تعظيمُ أيِّ قتالٍ كان، فعلى هذا {قِتَالٌ} الثاني غيرُ الأولِ، وهذا غيرُ واضحٍ؛ لأنَّ الألف واللامَ في الاسمِ السَّابق المُعادِ أولًا لا تفيدُ تعظيمًا، بل إنما تفيدُ العهدَ في الاسمِ السابقِ.
وأَحسنُ منه قولُ بعضهم: إنَّ الثَّاني غير الأولِ، وذلك أنَّ سؤالهم عن قتالِ عبد الله جحش، وكان لنُصرة الإِسلامِ وخُذلان الكفرِ؛ فليس من الكبائرِ، بل الذي من الكبائرِ قتالٌ غير هذا، وهو ما كانَ فيه إذلالُ الإِسلامِ، ونصرةُ الكُفْرِ، فاختير التنكير في هذين اللفظين؛ لهذه الدقيقة، ولو جِيءَ بهما معرفتين، أو بأحدهما مُعرَّفًا، لَبَطَلَتْ هذه الفائدةُ.
قوله: {وَصَدٌّ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه مبتدأ وما بعده عطفٌ عليه، و{أكبرُ} خبرُ عن الجميع، قاله الزَّجَّاج، ويكون المعنى أَنَّ القتال الذي سألتُم عنه، وإن كان كبيرًا، إلاَّ أن هذه الأشياء أكبرُ منه فإذا لم تمتنعوا عنها في الشهر الحرام فكيف تعيبون عبد الله بن جحش على ذلك القتال مع أنَّ عذره ظاهرٌ؛ لأَنَّهُ كان يجوزُ أَنْ يكون ذلك القتل واقعًا في جمادى الآخرة، ونظيره في المعنى قوله تعالى لبني إسرائيل {أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44] وقوله: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [الصف: 2].
وجاز الابتداءُ ب {صَدّ} لأحد ثلاثة أوجهٍ:
إِمَّا لتخصيصه بالوصفِ بقوله: {عَنْ سَبِيلِ الله}.
وإِمَّا لتعلُّقِه به.
وإمَّا لكونه معطوفًا والعطفُ من المسوِّغات.
والثاني: أنه عطفٌ على {كبيرٌ} أي: قتالٌ فيه كبيرٌ وصَدٌّ، قاله الفراء.
قال ابن عطية: وهو خطأٌ؛ لأنَّ المعنى يسوقُ إلى أنَّ قوله: {وكفرٌ به} عطفٌ أيضًا على {كبيرٌ} ويجيءُ من ذلك أنَّ إخراج أهل المسجد منه أكبرُ من الكفرِ، وهو بَيِّنٌ فسادُه.
وهذا الذي رَدَّ به قول الفراء، غير لازم له؛ إذ له أَنْ يقولَ: إِنَّ قولَه: {وكفرٌ به} مُبْتَدَأٌ، وما بعده عَطْفٌ عليه، و{أكبرُ} خبرٌ عنهما، أي: مجموعُ الأَمرين أكبرُ من القتال والصدِّ، ولا يلزَمُ من ذلك أن يكونَ إخراجُ أهلِ المسجدِ أكبرَ من الكفر، بل يلزمُ منه أنه أكبرُ من القتالِ في الشهرِ الحرامِ.
وهو مصدرٌ حُذِفَ فاعلُه ومفعوله؛ إذ التقدير: وصَدُّكم-يا كفارُ- المسلمين عن سبيلِ الله وهو الإِسلامُ.
و{كفرٌ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه عطفٌ على {صَدّ} على قولنا بأن صَدًّا مُبتدأ لا على قولنا: بأنه خبرٌ ثانٍ عن {قِتالٍ}، لأنه يلزَمُ منه أن يكون القتالُ في الشهرِ الحرامِ كُفْرًا، وليس كذلك، إِلاَّ أَنْ يرادَ بقتال الثاني ما فيه هَدمُ الإِسلامِ، وتقويةث الكفرِ؛ كما تقَدَّم ذلك عن بعضهم، فيكونُ كفرًا، فيصِحُّ عطفه عليه مُطلقًا، وهو أيضًا مصدرٌ لكنه لازمٌ، فيكونُ قد حُذِفَ فاعلُه فقط، أي: وكُفْرُكم.
والثاني: أن يكون مبتدأٌ، كما يأتي تفصيلُ القولِ فيه.
والضميرُ في {به} فيه وجهان:
أحدهما: أنه يعودُ على {سبيل} لأنه المحدَّثُ عنه.
والثاني: أنه يعودُ على اللهِ، والأولُ أظهرُ.
و{به} فيه وجهان، أعني كونه صفةً لكفر، أو متعلقًا به، كما تقدَّم في {فيه}.
قوله: {والمسجدِ} مجرورًا، وقرئ شاذًا مرفوعًا. فأمَّا جرُّه فاختلف فيه النحويون على أربعةِ أوجهٍ.
أحدها: وهو قولُ المبرد وتبعه الزمخشري- وقال ابن عطية وهو الصحيح- أنه عطفٌ على {سبيلِ الله} أَي: وصَدٌّ عن سبيلِ الله وعن المسجدِ.
وَرُدَّ هذا بأنَّه يؤدِّي إلى الفصل بين أبعاض الصِّلةِ بأجنبيّ تقريرُه أنَّ صَدًّا مصدرٌ مقدَّرٌ بأَنْ، والفعل، وأَنْ موصولة، وقد جَعَلْتُم {وَالْمَسْجِدِ} عطفًا على {سَبِيلِ}، فهو من تمام صلته، وفُصِل بينهما بأجنبيّ، وهو {وَكُفْرٌ بِهِ}.
ومعنى كونه أجنبيًا أنَّهُ لا تعلُّق له بالصِّلةِ.
فإنْ قيل: يُتَوَسَّعُ في الظَّرفِ وحرفِ الجّرّ ما لم يتوسع في غيرهما.
قيل: إنَّمَا قيل بذلك في التَّقديم، لا في الفَصْل.
الثاني: أَنَّه عطفٌ على الهاءِ في {بِهِ} أي: وكفرٌ به، وبالمسجد، وهذا يتخرَّجُ على قولِ الكُوفيّين.
وأمَّا البصريُّون؛ فيشترطُون في العطفِ على الضَّمير المجرور إعادة الخافض إِلاَّ في ضرورة، فهذا التَّخريجُ عندهم فاسِدٌ ولابد من التّعرُّض لهذه المسألة، وما هو الصَّحيحُ فيها؟ فنقول وبالله التوفيق: اختلف النُّحاةُ في العطفِ على الضَّمير المجرورِ على ثلاثةِ مذاهب:
أحدها- وهو مذهبُ البصريِّين-: وجوبُ إعادة الجارِّ إِلاَّ في ضرورةٍ.
الثاني: أَنَّهُ يجوزُ ذلك في السَّعَةِ مُطْلِقًا، وهو مذهبُ الكُوفيين، وتبعهم أبو الحسن ويونس والشَّلوبين.
والثالث: التَّفصيلُ، وهو إِنْ أُكِّد الضَّميرُ؛ جاز العطفُ من غير إعادةِ الخافض نحو: مَرَرْتُ بِكَ نفسِك، وزيد، وَإِلاّ فلا يجوز إلا ضرورةً، وهو قول الجَرميّ، والَّذي ينبغي جوازه مُطلقًا لكثرةِ السَّماع الوارد به، وضعفِ دليل المانعين واعتضاده بالقياس.
أَمَّا السَّماعُ: ففي النَّثْرِ كقولهم: مَا فِيهَا غَيْرُه، وفرسِهِ بجرِّ فَرَسِهِ عطفًا على الهاءِ في غَيْره.
وقوله: {تَسَاءَلُونَ بِهِ والأرحام} [النساء: 1] في قراءة جماعةٍ كثيرة، منهم حمزةُ كما سيأتي إن شاءَ اللهُ، ولولا أَنَّ هؤلاء القرَّاء، رووا هذه اللغة، لكان مقبولًا بالاتِّفاق، فإذا قرءُوا بها في كتاب اللهِ تعالى كان أَولَى بالقبُول.
ومنه: {وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} [الحجر: 20] فمَنْ عطف على لَكْم في قوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} [الحجر: 20].
وقوله: {وَمَا يتلى عَلَيْكُمْ} [النساء: 127] عطف على: فيهنّ، وفيما يُتلى عَلَيْكُم.
أما النَّظم فكثيرٌ جدًّا، فمنه قولُ العبَّاس بن مرداس: الوافر:
أَكُرُّ عَلَى الكَتِيبَةِ لاَ أُبَالِي ** أَفِيهَا كَانَ حَتْفي أَمْ سِوَاهَا

فَ سِوَاهَا عطفٌ على فِيهَا؛ وقولُ الآخر: الطويل:
تُعَلَّقُ فِي مِثْلِ السَّوَارِي سُيُوفُنَا ** ومَا بَيْنَهَا وَالأَرْضِ غَوْطٌ نَفَانِفُ

وقول الآخر: الكامل:
هَلاَّ سَأَلْتَ بِذِي الجَمَاجِمِ عَنْهُمُ ** وَأَبِي نُعَيْمٍ ذِي اللِّوَاءِ الْمُحْرِقِ

وقول الآخر: الطويل:
بِنَا أَبَدًا لاَ غَيْرِنَا تُدْرَكُ المُنَى ** وتُكْشَفُ غَمَّاءُ الخُطُوبِ الفَوَادِحِ

وقول الآخر: البسيط:
لَوْ كَانَ لِي وَزُهَيْرٍ ثَالِثٌ وَرَدَتْ ** مِنَ الحِمَامِ عِدَانَا شَرَّ مَوْرودِ

وقال الآخر: الطويل:
إِذَا أَوْقَدُوا نَارًا لِحَرْبِ عَدُوِّهِمْ ** فَقَدْ خَابَ مَنْ يَصْلَى بِهَا وَسَعِيرِهَا

وقول الآخر: البسيط:
إِذَا بِنَا بَلْ أُنَيْسَانَ اتَّقَتْ فِئَةٌ ** ظَلَّتْ مُؤَمَّنَةٌ مِمَّنْ يُعَادِيهَا

وقول الآخر: الرجز:
آبَكَ أَيِّهْ بِيَ أَوْ مُصَدَّرِ ** مِنْ حُمُرِ الْجِلَّةِ جَأْبٍ حَشْوَرِ

وأنشد سيبويه: البسيط:
فَاليَوْم قَرَّبْتَ تَهْجُونَا وَتشْتِمُنَا ** فَاذْهَبْ فَمَا بِكَ والأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ

فكثرةُ ورودِ هذا، وتصرُّفُهم في حروفِ العطفِ، فجاءوا تارةً بالواو، وأخرى بلا، وأخرى بأم، وأخرى ببَلْ دليلٌ على جوازِه، وأمَّا ضعفُ الدَّليل: فهو أَنَّهم منعُوا ذلك؛ لأنَّ الضَّمير كالتَّنوين، فكما لا يُعطف على التَّنوين لا يعطفُ عليه إلاَّ بإعادة الجارّ.
ووجه ضعفه أَنَّهُ كان بمقتضى هذه العِلَّةِ ألاَّ يُعْطَفَ على الضَّمير مطلقًا، أعْنِي سواءٌ كان مرفوع الموضعِ، أو منصوبه، أو مجروره، وسواءً أُعيدَ معه الخافِضُ، أم لا كالتَّنوين.
وأَمَّا القياسُ، فلأنه تابعٌ من التَّوابع الخمسة، فكما يُؤكَّدُ الضَّميرُ المجرورث، ويُبْدَلُ منه، فكذلك يُعطفُ عليه.
الثالث: أَنْ يكون معطوفًا على {الشهر الحرام} ثم بعد هذا طريقان:
أحدهما: أنّ قوله: {قِتَالٌ فِيهِ} مبتدأ، وقوله: {كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله وَكُفْرٌ بِهِ} خبر بعد خبر، والتَّقدير: إن قتالًا فيه محكُوم عليه بأنه كبيرٌ، وبأنه صدٌّ عن سبيل اللهِ، وبأنَّهُ كُفرٌ بالله.
والطريق الثانِي: أَنْ يكون قوله: {قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} جملة مبتدأ وخبر وقوله: {وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله}، فهو مرفوع بالابتداء.
وكذا قوله: {وكُفْرٌ بِهِ} والخبر محذوفٌ لدلالة ما تقدَّم عليه، والتَّقدير: قل: قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌّ عن سبيلِ اللهِ كبير وكُفرٌ به كبير ونظيره: زَيْدٌ منطلِقٌ وعمرو، وتقديره: وعمرو منطلق.
وطعن البصريُّون في هذا فقالوا: أَمَّا قولكم تقدير الآية: يسألونك عن قتالٍ في الشَّهر الحرام وفي المسجد الحرام؛ فهو ضعيف؛ لأَنَّ السُّؤال كان واقعًا عن القتال في الشَّهر الحرام، لا عن القِتَال في المسجدِ الحرامِ، وطعنوا في الوجه الأوَّل بأنَّه يقتضي أَنْ يكون القتال في الشَّهر الحرام كفرًا بالله، وهو خطأ بالإجماع.
الثاني: بأنَّه قال بعد ذلك {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ} أي: أكبر مِنْ كُلّ ما تقدَّم، فيلزم أَنْ يكون إخراجُ أهل المسجد الحرام أكبر عند اللهِ من الكُفر، وهو خطأٌ بالإجماع.
قال ابن الخطيب: وللفرَّاءِ أن يجيب عن الأَوَّل بأنَّهُ: من الذي أخبركم بأَنَّه ما وقع السُّؤالُ عن القتال في المسجد الحرام، بل الظَّاهر أَنَّهُ وقع؛ لأَنَّ القوم كانُوا مستعظمين للقتال في الشَّهر الحرام في البلد الحرام، وكان أحدهما كالآخر في القبح عند القوم، فالظَّاهر أَنَّهم جمعوهما في السُّؤال، وقولهم: على الوجه الأوَّل يلزم أَنْ يكون قتال في الشَّهر الحرام وكُفر، فنحن نقول به لأَنَّ النَّكرة في سياق الإِثبات لا تفيد العموم.
وعندنا أَنَّ قتالًا واحدًا في الشهر الحرام كُفرٌ.
وقولهم على الثَّاني: يلزم أَن يكون إخراجُ أهلِ المسجدِ منه أكبر من الكفر.
قلنا: المُراد أهل المسجد: وهم الرَّسُولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وأصحابه، وإخراج الرَّسُول من المسجد على سبيل الإذلال لا شكّ أنه كُفرٌ، وهو مع كونه كُفرًا فهو ظُلْمٌ لأَنَّهُ إيذاء للإنسان مِنْ غير جرمِ سابقٍ، ولا شكّ أن الشيء الَّذشي يكون ظُلمًا وكُفرًا أكبر، وأقبح عند اللهِ ممَّا يكون كفرًا، وحده، ولما ذكر أبو البقاء هذا القول- وهو أن يكون معطوفًا على الشَّهر الحرام- أي يسألُونك عن الشَّهرِ الحرامِ وعن المسجدِ الحرام.
قال أبو البقاء: وضعف هذا بأنَّ القومَ لم يسألوا عن المسجد الحرام إذ لم يشُكُّوا في تعظيمه، وإنَّما سألوا عن القتال في الشَّهر الحرام.
والثاني: القتال في المسجد الحرام؛ لأَنَّهُم لم يَسْأَلوا عن ذات الشَّهر ولا عن ذات المسجد، إِنما سألوا عن القتالِ فيهما؛ فأُجيبوا بأنَّ القتال في الشَّهر الحرامِ كبيرٌ، وصَدٌّ عن سبيلِ الله تعالى، فيكون قتال أَخْبر عنه بأنه كبيرٌ، وبأنه صَدٌّ عن سبيل الله، وأُجيبوا بأنَّ القتال في المسجد الحرامِ وإِخراجَ أهله أكبرُ من القتالِ فيه.
وفي الجملةِ، فعطفُه على الشَّهر الحَرام متكلَّفٌ جدًّا يبعُدُ عنه نظمُ القُرآنِ، والتركِيبُ الفصيحُ.
الرابع: أَنْ يتعلَّق بفعلٍ محذوفٍ دَلَّ عليه المصدرُ تقديره: ويصُدُّون عن المسجد، كما قال تعالى: {هُمُ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام} [الفتح: 25] قاله أبو البقاء، وجعله جيّدًا، وهذا غيرُ جيّد؛ لأنه يلزمُ منه حذفُ حرفِ الجَرّ وإبقاءُ عملهِ، ولا يجوزُ ذلك إلا في صورٍ ليس هذا منها، على خلافٍ في بعضها، ونصَّ النَّحويُّون على أنَّه ضرورةٌ؛ كقوله: الطويل:
إِذَا قِيلَ أَيُّ النَّاسِ شَرُّ قَبِيلَةٍ ** أَشَارَتْ كُلَيْبٍ بِالأَكُفِّ الأَصَابِعُ

أي: إلى كُليبٍ فهذه أربعةُ أَوجه، أجودها الثاني.
ونقل بعضهم أَنَّ الواو في المسجد هي واو القسم فيكون مجرورًا.
وأمَّا رفعه فوجهُه أَنَّهُ عطفٌ على {وَكُفْرٌ} على حذف مُضافٍ تقديره {وَكُفْرٌ بالمَسْجِدِ} فحُذِفَت الباءُ، وأُضِيفَ {كُفْرٌ} إلى المسجد، ثمَّ حُذِفَ المضافُ وأُقيم المُضَافُ إليه مُقَامَهُ، ولا يَخْفَى ما فيه من التَّكَلُّفِ.
قوله: {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ} عطفٌ على {كُفرٌ}، أو {صَدٌّ} على حسب الخلافِ المتقدِّم، وهو مصدرٌ حُذِف فاعله، وأُضيفَ إلى مفعوله، تقديرُه: وَإِخْرَاجُكم أَهْلَهُ.
والضَّميرُ في {أَهله} و{مِنْهُ} عائدٌ على المَسْجِد وقيل: الضَّمير في {مِنْهُ} عائِدٌ على سبيل الله، والأَوَّل أظهرُ و{منه} متعلِّقٌ بالمصدر.
قوله: {أَكْبَرُ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه خبرٌ عن الثلاثة، أعني: صَدًّا وكفرًا، وإخراجًا كما تقدَّم، وفيه حينئذٍ احتمالان:
أحدهما: أن يكون خبرًا عن المجموع، والاحتمالُ الآخرُ أن يكونض خبرًا عنها باعتبار كلِّ واحدٍ، كما تقول: زيدٌ وبكرٌ وعمرو أفضلُ من خالدٍ، أي: كلُّ واحِدٍ منهم على انفراده أفضلُ من خالدٍ.
وهذا هو الظَّاهِرُ.
وإِنّما أُفْرِدَ الخبر؛ لأنه أفضلُ من تقديرِه: أكبر من القتال في الشَّهر الحرامِ.
وإنَّما حُذِفَ لدلالةِ المعنى.
الثاني من الوجهين في {أَكْبر} أن يكونَ خبرًا عن الأَخير، ويكونُ خبر {وَصَدّ} و{كُفْر} محذوفًا لدلالة خبر الثَّالث عليه تقديره: وصدّ وكُفر أكبر.
قال أبو البقاء في هذا الوجه: ويجب أَنْ يكون المحذوفُ على هذا أَكْبَر لا {كبير} كما قدَّره بعضهم؛ لأَنَّ ذلك يوجب أن يكُون إخراج أهل المسجد منه أكبرَ من الكُفر، وليس كذلك.
وفيما قاله أبو البقاء نظر؛ لأَنَّ هذا القائل يقولُ: حُذِف خبر {وَصَدّ} و{كُفْر} لدلالة خبر {قِتَالٍ} عليه، أي: القتالُ في الشَّهرِ الحرام كبيرٌ، والصَّدّ والكفر كبيران أيضًا، وإخراجُ أهل المسجد أكبرُ من القتالِ في الشَّهْرِ الحرام.
ولا يلزمُ من ذلك أَن يكون أكبرَ من مجموعِ ما تقدَّم حتّى يلزمَ ما قاله من المحذور.
و{عِنْدَ اللهِ} متعلِّق ب {أَكْبر}، والعِنْديةُ هنا مَجَازٌ لِما عُرف.
قوله: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ} هذا فعل لا مصدر له، قال الواحديّ: ما زال يفصل ولا يقال منه: فاعل، ولا مفعول، ومثاله في الأفعال كثير نحو عَسَى ليس له مصدرٌ، ولا مضارع، وكذلك ذو، وما فتِىءَ، وهلمّ، وهاكَ وهات وتعال وتعالوا.
ومعنى {وَلاَ يَزَالُونَ} نفي: فإذا دخلت عليه مَا كان ذلك نفيًا للنَّفي، فيكون دليلًا على الثُّبوت الدَّائم.
قوله تعالى: {حتى يَرُدُّوكُمْ} حتى حرف جرِّ، ومعناها يحتمل وجهين:
أحدهما: الغاية.
والثاني: التَّعليل بمعنى كي، والتَّعليل أحسن؛ لأن فيه ذكر الحامل لهم على الفعل، والغاية ليس فيها ذلك ولذلك لم يذكر الزَّمخشريُّ غير كونها للتَّعليل قال: وَحَتّى معناها التَّعليل كقولك: فُلاَنٌ يُعْبُدُ اللهَ حَتَّى يَدْخُلَ الجَنَّة، أي يُقَاتِلُونَكُم كي يردُّوكم.
ولم يذكر ابن عطيَّة غير كونها غاية قال: وَ{يَرُدُّوكُم} نصب ب {حَتّى}؛ لأنَّها غاية محرّدة.
وظاهر قوله: مَنْصُوبٌ ب {حَتّى} أنه لا يضمر أنْ لكنَّه لا يريد ذلك، وإن كان بعضهم يقول بذلك.
والفعل بعدها منصوب بإضمار أن وجوبًا.
و{يَزَالُونَ} مضارع زال النَّاقصة التي ترفع الاسم، وتنصب الخبر، ولا تعمل إلا بشرط أن يتقدَّمها نفيٌ، أو نهي، أو دعاء، وقد يحذف النَّافي باطِّراد إذا كان الفعل مضارعًا في جواب قسم، وإلاَّ فسماعًا، وأحكامها في كتب النَّحو، ووزنها فعل بكسر العين، وهي من ذوات الياء بدليل ما حكى الكسائيُّ في مضارعها: يزيل، وإن كان الأكثر يزال، فأمَّا زال التَّامَّة، فوزنها فعل بالفتح، وهي من ذوات الواو لقولهم في مضارعها يزول، ومعناها التَّحوُّل.
و{عَنْ دِينكُمْ} متعلق ب {يردُّوكُم} وقوله: {إِن اسْتَطَاعُوا} شرط جوابه محذوف للدلالة عليه، أي: إن استطاعوا ذلك، فلا يزالوا يقاتلونكم، ومن رأى جواز تقديم الجواب، جعل {لاَ يَزَالُونَ} جوابًا مقدّمًا، وقد تقدَّم الرَّدُّ عليه بأنَّه كان ينبغي أن تجب الفاء في قولهم: أَنْ ظَالِمٌ إِن فَعَلْتَ.
قوله: {وَمَن يَرْتَدِدْ} مَنْ شرطيّة في محلِّ رفع بالابتداء، ولم يقرأ أحدٌ هنا بالإدغام، وفي المائدة [آية54] اختلفوا فيه، فنؤخِّر الكلام على هذه المسألة إلى هناك إن شاء الله تعالى.
ويرْتَدِدث يَفْتَعِلُ من الرَّدِّ وهو الرُّجوع كقوله: {فارتدا على آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64].
قال أبو حيَّان: وقد عَدَّها بعضُهم فيما يَتَعَدَّى إلى اثْنَيْنِ إذْ كانت عنده بمعنى صَيَّر، وجَعَلَ من ذلك قوله: {فارتد بَصِيرًا} [يوسف: 96] أي: رجَع وهذا منه سهوٌ؛ لأنَّ الخلاف إنَّما هو بالنِّسبة إلى كونها بمعنى صار، أم لا، ولذلك مثلوا بقوله: {فَارْتدَّ بَصِيرًا} فمنهم من جعلها بمعنى: صَارَ، ومنهم من جعل المنصوب بعدها حالًا، وإلاّ فأين المفعولان هنا؟ وأمَّا الذي عدُّوه يتعدَّى لاثنين بمعنى: صَيَّر، فهو ردَّ لا ارْتَدَّ، فاشتبه عليه ردَّ بارْتَدَّ وصيَّر بصَارَ.
وقال الواحديُّ: وأظهر التَّضعيف مع الجزم، ولسكون الحرف الثاني، وهو أكثر في اللُّغة من الإدغام.
و{منكم} متعلِّقٌ بمحذوفٍ؛ لأنَّه حالٌ من الضَّمير المستكن في {يَرْتَدِدْ} ومن للتَّبعيض، تقديره: ومن يَرْتَدِدْ في حال كونه كائنًا منكم، أي: بعضكم.
و{عَنْ دِينِهِ} متعلِّقٌ ب {يَرْتَدد}، و{فَيَمُتْ} عطفٌ على الشَّرط، والفاء مؤذنةٌ بالتَّعقيق.
{وَهُوَ كَافِرٌ} جملةٌ حاليةٌ من ضمير: يَمُتْ، وكأنَّها حالٌ مؤكِّدَةٌ؛ لأنَّها لو حذفت لفهم معناها، لأنَّ ما قبلها يشعر بالتَّعقيب للارتداد، وجيءَ بالحال هنا جملةً، مبالغة في التأكيد من حيث تكرُّر الضَّمير بخلاف ما لو جيء بها اسمًا مفردًا.
وقوله: {فأولئك} جواب الشَّرط.
قال أبو البقاء: ومَنْ في موضع مبتدأ، والخبر هو الجملة التي هي قوله: {فأولئك حَبِطَتْ}، وكان قد سلف له عند قوله: {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ} [البقرة: 38] أن خبر اسم الشَّرط هو فعل الشَّرط لا جوابه، وردَّ على من يدَّعي ذلك بما حكيته عنه ثمَّة، ويبعد منه توهُّمُ كونها موصولةً لظهور الجزم في الفعل بعدها، ومثله لا يقع في ذلك.
وحَبِطَ فيه لغتان: كسر العين وهي المشهورة وفتحها، وبها قرأ أبو السَّمَّال في جميع القرآن، ورويت عن الحسن أيضًا.
والحبوط: أصله الفساد.
قال أهل اللُّغة: أصل الحبط أن تأكل الإبل شيئًا يضرّها، فتعظم بطونها، فتهلك.
وفي الحديث: «وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا»، وذلك أنَّ الإبل تأكل من المرعى إلى أن تنتفخ بطنها؛ فتمون البطن.
ومنه: حَبِطَ بَطْنُه، أي: انتفخ، ومنه رَجلٌ حَبَنْطَى، أي: منتفخ البطن.
وحمل أوّلًا على لفظ مَنْ فأفرد في قوله: {يَرٍْتَدِدْ} {فيمت} {وهو كَافِرٌ} وعلى معناها ثانيًا في قوله: {فَأُولَئِكَ} إلى آخره، فجمع، وقد تقدَّم أنَّ مثل هذا التَّركيب أحسن الاستعمالين: أعني الحمل أوّلًا على اللَّفظ، ثمَّ على المعنى.
وقوله: {في الدُّنْيَا} متعلِّقٌ ب {حَبِطَتْ}.
وقوله: {وأولئك أَصْحَابُ النار} إلى آخره تقدَّم إعراب نظيرتها.
واختلفوا في هذه الجملة: هل هي استئنافيّةٌ، أي: لمجرَّد الإخبار بأنَّهم أصحاب النَّار، فلا تكون داخلةً في جزاء الشَّرط، بل تكون معطوفةً على جملة الشَّرط، أو هي معطوفة على الجواب؛ فيكون محلُّها الجزم؟ قولان، رجِّح الأوَّل بالاستقلال وعدم التّقييد، والثَّاني بأنَّ عطفها على الجزاء أقرب من عطفها على جملة الشَّرط، والقرب مرجِّحٌ. اهـ. باختصار.